مَثلُ الحياةِ الدُّنيَا : قال -تَعالى-: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف: 45]. قال السعدي -رحمهُ الله- : ( يقولُ -تَعالَى- لنبيِّه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-أصلًا-، ولمَن قام بوراثتِه بعده -تبعًا-: اضرب للنَّاس مَثلَ الحياة الدُّنيا؛ ليتصوَّروها حقَّ التَّصوُّر، ويعرفوا ظاهِرَها وباطنها، فيقيسوا بينها وبين الدَّار الباقية، ويُؤثروا أيهما أولى بالإيثار وأنَّ مثل هذه الحياةِ الدُّنيا كمَثل المَطر، يَنزل على الأرض، فيختلط نباتها، تنبت مِن كلِّ زوج بهيج، فبينا زهرتُها وزخرفها تسرُّ الناظِرين، وتُفرح المُتفرِّجين، وتأخذ بعيون الغافِلين؛ إذ أصبحت هشيمًا تذروهُ الرِّياح، فذهب ذلك النباتُ النَّاضِر، والزَّهرُ الزَّاهر، والمنظر البهيُّ، فأصبحت الأرض غبراءَ ترابًا، قد انحرف عنها النَّظر، وصدف عنها البصرُ، وأوحشت القلبَ! كذلك هذه الدُّنيا: بينما صاحبُها قد أعجب بشبابِه، وفاق فيها على أقرانِه وأترابِه، وحصَّل درهمَها ودينارَها، واقتطف مِن لذَّته أزهارَها، وخاض في الشَّهواتِ في جميع أوقاتِه، وظن أنه لا يزال فيها سائرَ أيَّامه؛ إذ أصابه الموتُ أو التلفُ لمالِه؛ فذهب عنه سرورُه، وزالت لذتُه وحبورُه، واستوحش قلبُه مِن الآلام، وفارق شبابَه وقوَّتَه ومالَه، وانفرد بِصالحِ أو سيِّئِ أعماله، هنالك يعضُّ الظالم على يدَيْه، حين يعلم حقيقةَ ما هو عليه، ويتمنَّى العودَ إلى الدنيا، لا ليستكملَ الشَّهوات؛ بل ليستدركَ ما فرط منه مِن الغفلات بالتَّوبة والأعمال الصَّالحات. فالعاقلُ الجازمُ المُوفَّق، يعرض على نفسِه هذه الحالة، ويقول لنفسِه: قدِّري أنكِ قد مِتِّ، ولا بدَّ أن تموتي؛ فأي الحالتَين تختارين؟ الاغترار بزُخرفِ هذه الدَّار، والتمتُّع بها كتمتُّع الأنعام السَّارحة؟ أم العمل لدارٍ أُكلُها دائمٌ وظِلها، وفيها ما تشتهيه الأنفسُ وتلذُّ الأعين؟ فبهذا يُعرف توفيقُ العبد مِن خذلانه، وربحُه مِن خسرانِه ). .............................................. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان :1/478. |
الأحد، 29 يناير 2012
مَثلُ الحياةِ الدُّنيَا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق