الخميس، 16 فبراير 2012

"ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل"




"ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل"

د. جمال الحسيني أبو فرحة

أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة طيبة بالمدينة المنورة


لقد بات مؤكدًا تطابق اليهودية والمسيحية في شكلهما الحالي مع كثير من الديانات الوثنية القديمة: كالوثنية المصرية القديمة، والوثنية الهندية: البوذية والبرهمية، والوثنية البابلية، والفارسية، والرومانية، واليونانية......الخ.
بل إن تأثر اليهودية بالوثنية بدأت تباشيره مبكرة منذ أن عبد بنو إسرائيل العجل في عصر موسى عليه السلام؛ وهو ما تقرره التوراة المعاصرة وينص عليه القرآن الكريم، واستمرت تلك النزعة الوثنية في جميع عصور اليهودية كما يصرح الكتاب المقدس في كثير من المواضع؛ منها: سفر اللاويين الأصحاح(16)، وسفر الملوك الأول الأصحاح (11)، وسفر نحميا الأصحاح (9)، وسفر المزامير المزمور (106)، وسفر إرميا الأصحاح(2)، والأصحاح (23)؛ وغير ذلك من المواضع كثير؛ لا يتسع المقام لذكره، ولا حاجة – في رأيي – للتوقف كثيرًا عنده؛ فاليهودية ليست ديانة تبشيرية، ولا تدعو أحدًا من غير بني إسرائيل إليها.
أما بالنسبة للمسيحية، ففضلا عن تقديس التماثيل والأيقونات البارزة المنحوتة كما هو الوضع في الكنيسة الرومانية، أو مجرد صورها كما هو الوضع في الكنيسة القبطية، فقد أحصى العلامة "محمد بن طاهر التنّير" - في كتابه "العقائد الوثنية في الديانة النصرانية"- ستًا وأربعين نقطة تطابق يكاد أن يكون حرفيًا بين ما يقال عن "كرشنا"- معبود الهندوس- وما يقال عن "المسيح". وثمان وأربعين نقطة تطابق بين ما يقال عن "بوذا" – معبود البوذيين- وما يقال عن "المسيح"؛ تشمل: التثليث، والتجسد، وموت الإله الابن، وصلبه، وقيامته من الأموات، والفداء، والتعميد.....الخ ؛ أي جل المعتقدات والشعائر والطقوس المسيحية تقريبًا؛ بالإضافة إلى كثير من تفاصيل حياة السيد المسيح -عليه السلام- المدعاة في الكتاب المقدس.
وأمام هذا التطابق العجيب بين المسيحية والوثنيات القديمة لم يجد فريق من كبار علماء الكتاب المقدس المعاصرين بدًا من الاعتراف به، ومن أبرز هؤلاء العلماء: "جون هك" John Hick في كتابه "أسطورة تجسد الإله"The Myth of God Incarnate ؛ وقد جمع "هك" في كتابه هذا شهادات لكثير من كبار علماء الكتاب المقدس المعاصرين على وقوع ذلك التأثير الوثني على المسيحية.
أما المؤمنون بالمسيحية فلم يجدوا أمامهم كذلك بدًا من الاعتراف بذلك التأثير الوثني ومحاولة تعليله بوحي قديم – كما يقول قديسهم: أبيفانيوس- جاء قبل المسيحية مبشرًا بها - (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا) النجم: 28- أي أنهم يسلمون بالتطابق بين المسيحية والوثنية الناشئ عن التأثير والتأثر إلا أنهم رأوه بشكل معكوس؛ فرأوا السابق متأثرًا باللاحق، واللاحق مؤثرًا في السابق؛ وهي رؤية تتوافق مع نظرة أعلنت منذ البداية وبصراحة فصل العقل عن النقل.
ولا يعقل أن يأتي نبي ويبشر بدين آخر ونبي آخر يأتي من بعده، فيذكر جل ما يتعلق بذلك الدين وبذلك النبي بكثير من التفصيل، وكأن ذلك هو هدفه الأول، ثم ينسى اسم النبي المبشر، واسم النبي المبشر به، ولا تنسى البشارة؛ فتنسب مرة لبوذا، ومرة لكرشنا، ومرة للمسيح، ومرات لغير هؤلاء؛ فتنقلب البشارة إلى ضلالة.
ثم إنه إذا كان تطابق المسيحية مع الوثنيات القديمة مرده إلى البشارة؛ فلماذا لم يبشر أنبياء بني إسرائيل بهذه العقائد المسيحية الوثنية؟!.
لقد كان عيسى –عليه السلام- بريئًا من القول بهذه العقائد المسيحية الوثنية براءة تبرهنها الدراسات العلمية المعاصرة؛ مما حدا بـ "فلهوزن" –أحد كبار علماء اللاهوت الألمان المعاصرين- أن يعلن قائلا: (كان عيسى رجلا يهوديًا ولم يك قط مسيحيًا) !.
بل إن "باول شفارتزيناو"- أستاذ الثيولوجيا البروتستانتية وعلوم الأديان بجامعة "دورتموند" بألمانيا- نجده يصرح بـ "أن القرآن هو الصورة الأصلية الأولى لتعاليم الكتاب المقدس"، ويقول: "إنها لحقيقة: إن أقوال عيسى وأقوال المسيحيين الأوائل لم تصل بشكل صحيح إلى العهد الجديد المعاصر"، ويقول: "إن القرآن هو التكملة الحقيقية لأقوال عيسى المسيح".
فصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم:
"يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد"
المائدة: 117:116.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حديث اليوم

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق