الأربعاء، 8 فبراير 2012

من منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الصبر

قال بن قيم الجوزية - رحمه الله -

فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الصبر

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى
( الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعا وهو واجب بإجماع الأمة وهو نصف الإيمان فإن الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكروهو مذكور في القرآن على ستة عشر نوعا)
1- الأول: الأمر به نحو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [ البقره: 153 ]وقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [ البقره: 45 ]وقوله: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [ آل عمران: 20 ]وقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}
2- الثاني: النهي عن ضده كقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [ الأحقاف: 35 ]
وقوله: {فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [ الأنفال: 15 ]فإن تولية الأدبار: ترك للصبر والمصابرة وقوله: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} فإن إبطالها ترك الصبر على إتمامها وقوله: فلا تهنوا ولا تحزنوا [ آل عمران: 139 ]فإن الوهن من عدم الصبر.
3- الثالث: الثناء على أهله كقوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ} الآية [ آل عمران: 17 ]وقوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[ البقره: 177 ] وهو كثير في القرآن.
4- الرابع: إيجابه سبحانه محبته لهم كقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [ آل عمران: 146 ]
5- الخامس: إيجاب معيته لهم وهي معية خاصة تتضمن حفظهم ونصرهم وتأييدهم ليست معية عامة وهي معية العلم والإحاطة كقوله: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [ الأنفال: 46 ] وقوله: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [ البقره: 249 الأنفال: 69
6- السادس: إخباره بأن الصبر خير لأصحابه كقوله: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [ النحل: 126 ]
وقوله: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [ النساء: 25 ].
7- السابع: إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم كقوله تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
8- الثامن: إيجابه سبحانه الجزاء لهم بغير حساب كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ الزمر: 10 ]
9- التاسع: إطلاق البشرى لأهل الصبر كقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [ البقره: 155 ]
10- العاشر: ضمان النصر والمدد لهم كقوله تعالى: بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ} [ آل عمران: 125 ]ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن النصر مع الصبر
11- الحادى عشر: الإخبار منه تعالى بأن أهل الصبر هم أهل العزائم كقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [ الشورى: 43 ]
12- الثاني عشر: الإخبار أنه ما يلقى الأعمال الصالحة وجزاءها والحظوظ العظيمة إلا أهل الصبر كقوله تعالى: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [ القصص: 80 ]
وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [ فصلت: 35 ]
13- الثالث عشر: الإخبار أنه إنما ينتفع بالآيات والعبر أهل الصبر كقوله تعالى لموسى: {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [ إبراهيم: 5 ]
وقوله في أهل سبأ: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [ سبأ: 19 ]
وقوله في سورة الشورى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [ الشورى: 3233 ]
14- الرابع عشر: الإخبار بأن الفوز المطلوب المحبوب والنجاة من المكروه المرهوب ودخول الجنة إنما نالوه بالصبر كقوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [ الرعد: 2324 ]
15- الخامس عشر: أنه يورث صاحبه درجة الإمامة سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ثم تلا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [ السجده: 24 ]
16- السادس عشر: اقترانه بمقامات الإسلام والإيمان كما قرنه الله سبحانه باليقين وبالإيمان وبالتقوى والتوكل وبالشكر والعمل الصالح والرحمة ولهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : خير عيش أدركناه بالصبر وأخبر النبي في الحديث الصحيح : أنه ضياء وقال : من يتصبر يصبره الله
وفي الحديث الصحيح : عجبا لأمر المؤمن ! إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له
وقال للمرأة السوداء التي كانت تصرع فسألته : أن يدعو لها : إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت : إني أتكشف فادع الله : أن لا أتكشف فدعا لها
وأمر الأنصار رضي الله تعالى عنهم بأن يصبروا على الأثرة التي يلقونها بعده حتى يلقوه على الحوض
وأمر عند ملاقاة العدو بالصبر وأمر بالصبر عند المصيبة وأخبر : أنه إنما يكون عند الصدمة الأولى
وأمر المصاب بأنفع الأمور له وهو الصبر والاحتساب فإن ذلك يخفف مصيبته ويوفر أجره والجزع والتسخط والتشكى يزيد في المصيبة ويذهب الأجر
وأخبر أن الصبر خير كله فقال : ما أعطي أحد عطاء خيرا له وأوسع : من الصبر


[ مدارج السالكين ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حديث اليوم

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق