يَقُول ابن القَيِّم رَحِمَهُ الله فِي الفَوَآئِد :
{ لَمّا أعرَضَ النّاسُ عَنْ "تحكيم الكتابِ والسّنّة" والْمُحَاكَمَةِ
إِلِيْهِمَا وَاعْتَقَدُوْا عَدَمَ الاكْتِفَاْءِ بِهِمَا وَعَدَلُوا إلَى
الآرَاءِ وَالقِيَاسِ والاسْتِحْسَانِ وأقْوَالِ الشُّيُوخِ، عَرَضَ لَهُمْ
مِّنْ ذَلِكَ فَسَادٌ فِيْ فِطَرِهِمْ وَظُلْمَةٌ فِي قُلُوبِهِمْ
وَكَدَرٌ فِيْ أَفْهَامِهِمْ وَمَحْقٌ فِي عُقُوْلِهِمْ. وَعَمَّتْهُمْ هَذِهِ
الأُمُوْرُ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمْ، حَتَّى رُبِّيَ فِيْهَا الصَّغِيْرُ
وَهَرَمَ عَلَيْهَا الْكَبِيْرُ، فَلَم يَرَوْهَا مُنْكَراً؛ فَجَاءَتْهُم
دَولَةٌ أُخْرَى قَامَتْ فِيْهَا البِدَعُ مقَامَ السُّننِ، والنّفْسُ
مقَامَ العقْلِ، والهَوَى مَقَامَ الرُّشْدِ، والضَّلَالُ مَقَامَ
الْهُدَى، وَالْمُنكَرُ مقَامَ المَعْرُوفِ، والجَهْلُ مَقَامَ العِلْم،
وَالرِّيَاءُ مَقَامَ الإِخْلَاصِ، وَالْبَاطِلُ مَقَامَ الْحَقِّ،
وَالْكَذِبُ مقَامَ الصِّدقِ، والمداهَنَةُ مقَامَ النّصِيحة، والظّلمُ
مقَامَ العدْل، فَصَارَت الدّولَةُ والغَلَبَةُ لهَذِه الأمورِ، وأهلُها
هُمُ الْمُشَارُ إليهم، وكانت قَبْلَ ذلِكَ لأضْدادِها، وَكَاْنَ
أَهْلُهَاْ هُمُ المُشَارُ إِلَيْهِمْ.
فَإِذَاْ رَأَيْتَ دَوْلَةَ
هَذِهِ الْأُمُوْرِ قَدْ أَقْبَلَتْ وَرَاْيَاتُهَا قد نُصِبَتْ وجُيُوشُها
قد رَكِبَتْ، فَبَطنُ الأَرْضِ وَاللهِ خَيْرٌ مِّنْ ظَهْرِهَا، وقُلَلُ
الجِبَالِ خَيْرٌ مِّنَ السُّهُولِ، ومُخَالَطَةُ الوَحْشِ أسلمُ مِنْ
مُخَالَطَةِ النَّاسِ}
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق